فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة الملك:
مكية.
وهي ثلاثون آية.
وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها من عذاب القبر.
وجاء مرفوعا «من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب».
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
{تبارك} تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين {الذى بِيدِهِ الملك} أي بتصرفه الملك والاستيلاء على كل موجود وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء {وهُو على كُلّ شيْءٍ} من المقدورات أو من الإنعام والانتقام {قدِيرٌ} قادر على الكمال {الذى خلق الموت} خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الذي قبله {والحياة} أي ما يصح بوجوده الإحساس والموت ضده، ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه، والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون {لِيبْلُوكُمْ} ليمتحنكم بأمره ونهيه فيما بين الموت الذي يعم الأمير والأسير والحياة التي لا تفي بعليل ولا طبيب فيظهر منكم ما علم أنه يكون منكم فيجازيكم على عملكم لا على علمه بكم {أيُّكُمْ} مبتدأ وخبره {أحْسنُ عملا} أي أخلصه وأصوبه، فالخالص أن يكون لوجه الله، والصواب أن يكون على السنة.
والمراد أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل، وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح فما وراءه إلا البعث والجزاء الذي لابد منه.
وقدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه، فقدم لأنه فيما يرجع إلى المسوق له الآية أهم.
ولما قدم الموت الذي هو أثر صفة القهر على الحياة التي هي أثر اللطف، قدم صفة القهر على صفة اللطف بقوله: {وهُو العزيز} أي الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل {الغفور} الستور الذي لا ييأس منه أهل الإساءة والزلل.
{الذى خلق سبْع سماوات طِباقا} مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق، وهذا وصف بالمصدر، أو على ذات طباق أو على طوبقت طباقا.
وقيل: جمع طبق كجمال وجمال.
والخطاب في {مّا ترى في خلْقِ الرحمن} للرسول أو لكل مخاطب {مِن تفاوت} {تفوُتٍ} حمزة وعلي.
ومعنى البناءين واحد كالتعاهد والتعهد أي من اختلاف واضطراب.
وعن السدي: من عيب.
وحقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضا ولا يلائمه، وهذه الجملة صفة ل {طِباقا} وأصلها ما ترى فيهن من تفاوت، فوضع {خلْقِ الرحمن} موضع الضمير تعظيما لخلقهن وتنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت، وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب {فارجع البصر} رده إلى السماء حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة فلا تبقى معك شبهة فيه {هلْ ترى مِن فُطُورٍ} صدوع وشقوق جمع فطر وهو الشق {ثُمّ اْرجِعِ البصر كرّتيْنِ} كرر النظر مرتين أي كرتين مع الأولى.
وقيل: سوى الأولى فتكون ثلاث مرات.
وقيل: لم يرد الاقتصار على مرتين بل أراد به التكرير بكثرة أي كرر نظرك ودققه هل ترى خللا أو عيبا.
وجواب الأمر {ينقلِب} يرجع {إِليْك البصرُ خاسِئا} ذليلا أو بعيدا مما تريد وهو حال من البصر {وهُو حسِيرٌ} كليل معي ولم ير فيها خللا.
{ولقدْ زيّنّا السماء الدنيا} القربى أي السماء الدنيا منكم {بمصابيح} بكواكب مضيئة كإضاءة الصبح، والمصابيح السرج فسميت بها الكواكب، والناس يزينون مساجدهم ودورهم بإيقاد المصابيح.
فقيل: ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها بمصابيح أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة {وجعلناها رُجُوما للشياطين} أي لأعدائكم الذين يخرجونكم من النور إلى الظلمات، قال قتادة: خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به.
والرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به.
ومعنى كونها رجوما للشياطين أن ينفصل عنها شهاب قبس يؤخذ من نار فيقتل الجني أو يخبله، لأن الكواكب لا تزول عن أماكنها لأنها قارة في الفلك على حالها {وأعْتدْنا لهُمْ} للشياطين {عذاب السعير} في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا.
{ولِلّذِين كفرُواْ بِربِّهِمْ} ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم {عذابُ جهنّم} ليس الشياطين المرجومون مخصوصون بذلك {وبِئْس المصير} المرجع جهنم {إِذا أُلْقُواْ فِيها} طرحوا في جهنم كما يطرح الحطب في النار العظيمة {سمِعُواْ لها} لجهنم {شهِيقا} صوتا منكرا كصوت الحمير شبه حسيسها المنكر الفظيع بالشهيق {وهِى تفُورُ} تغلي بهم غليان المرجل بما فيه {تكادُ تميّزُ} أي تتميز يعني تتقطع وتتفرق {مِن الغيظ} على الكفار فجعلت كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم.
{كُلّما أُلْقِى فِيها فوْجٌ} جماعة من الكفار {سألهُمْ خزنتُها} مالك وأعوانه من الزبانية توبيخا لهم {ألمْ يأْتِكُمْ نذِيرٌ} رسول يخوفكم من هذا العذاب {قالواْ بلى قدْ جاءنا نذِيرٌ} اعتراف منهم بعدل الله وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه {فكذّبْنا} أي فكذبناهم {وقُلْنا ما نزّل الله مِن شيْءٍ} مما يقولون من وعد ووعيد وغير ذلك {إِنْ أنتُمْ إِلاّ في ضلال كبِيرٍ} أي قال الكفار للمنذرين: ما أنتم إلا في خطأ عظيم.
فالنذير بمعنى الإنذار.
ثم وصف به منذروهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذارا، وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار عن إرادة القول ومرادهم بالضلال الهلاك، أو سموا جزاء الضلال باسمه كما سمي جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء ويسمى المشاكلة في علم البيان، أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة أي قالوا لنا هذا فلم نقبله {وقالواْ لوْ كُنّا نسْمعُ} الإنذار سماع طالب الحق {أوْ نعْقِلُ} أي نعقله عقل متأمل {ما كُنّا في أصحاب السعير} في جملة أهل النار، وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملزمتان {فاعترفوا بِذنبِهِمْ} بكفرهم في تكذيبهم الرسل {فسُحْقا لأصحاب السعير} وبضم الحاء: يزيد وعلي، فبعدا لهم عن رحمة الله وكرامته اعترفوا أو جحدوا فإن ذلك لا ينفعهم.
وانتصابه على أنه مصدر وقع موقع الدعاء.
{إِنّ الذين يخْشوْن ربّهُم بالغيب} قبل معاينة العذاب {لهُم مّغْفِرةٌ} للذنوب {وأجْرٌ كبِيرٌ} أي الجنة {وأسِرُّواْ قولكُمْ أوِ اجهروا بِهِ} ظاهره الأمر بأحد الأمرين: الإسرار والإجهار، ومعناه ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما.
رُوي أن مشركي مكة كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل بما قالوه فيه ونالوه منه فقالوا فيما بينهم: أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنزلت.
ثم علله بقوله: {إِنّهُ علِيمٌ بِذاتِ الصدور} أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها فكيف لا يعلم ما تكلم به؟ {ألا يعْلمُ منْ خلق} (من) في موضع رفع بأنه فاعل {يعْلم} {وهُو اللطيف الخبير} أنكر أن لا يحيط علما بالمضمر والمسر والمجهر من خلقها وصفته أنه اللطيف أي العالم بدقائق الأشياء الخبير العالم بحقائق الأشياء، وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلا على خلق أفعال العباد.
وقال أبو بكر بن الأصم وجعفر بن حرب: {منْ} مفعول والفاعل مضمر وهو الله تعالى فاحتالا بهذا لنفي خلق الأفعال.
{هُو الذي جعل لكُمُ الأرض ذلُولا} لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها {فامشوا في مناكِبِها} جوانبها استدلالا واسترزاقا أو جبالها أو طرقها {وكُلُواْ مِن رّزْقِهِ} أي من رزق الله فيها {وإِليْهِ النشور} أي وإليه نشوركم فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم {ءامِنْتُمْ مّن في السماء} أي من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه فكأنه قال: أأمنتم خالق السماء وملكه، أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء، وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعالٍ عن المكان {أن يخْسِف بِكُمُ الأرض} كما خسف بقارون {فإِذا هي تمُورُ} تضطرب وتتحرك {أمْ أمِنتُمْ مّن في السماء أن يُرْسِل عليْكُمْ حاصبا} حجارة أن يرسل بدل من بدل الاشتمال وكذا {أن يخْسِف} {فستعْلمُون كيْف نذِيرِ} أي إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم {ولقدْ كذّب الذين مِن قبْلِهِمْ} من قبل قومك {فكيْف كان نكِيرِ} أي إنكاري عليهم إذ أهلكتهم.
ثم نبه على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله: {أولمْ يروْا إِلى الطير} جمع طائر {فوْقهُمْ} في الهواء {صافات} باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن {ويقْبِضْن} ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
و{يقبضن} معطوف على اسم الفاعل حملا على المعنى أي يصففن ويقبضن، أو صافات وقابضات.
واختيار هذا التركيب باعتبار أن أصل الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والهواء للطائر كالماء للسابح.
والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها، وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجيء بما هو طارئ بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح {ما يُمْسِكُهُنّ} عن الوقوع عند القبض والبسط {إِلاّ الرحمن} بقدرته وإلا فالثقيل يتسفل طبعا ولا يعلو، وكذا لو أمسك حفظه وتدبيره عن العالم لتهافتت الأفلاك و{ما يُمْسِكُهُنّ} مستأنف وإن جعل حالا من الضمير في {يقبضن} يجوز {إِنّهُ بِكُلِّ شيء بصِيرٌ} يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب.
{أمّنْ} مبتدأ خبره {هذا} ويبدل من {هذا} {الذى هُو جُندٌ لّكُمْ} ومحل {ينصُرُكُمْ مّن دُونِ الرحمن} رفع نعت ل {جُندٌ} محمول على اللفظ والمعنى من المشار إليه بالنصر غير الله تعالى {إِنِ الكافرون إِلاّ في غُرُورٍ} أي ما هم إلا في غرور {أمّنْ هذا الذي يرْزُقُكُمْ إِنْ أمْسك رِزْقهُ} أم من يشار إليه ويقال هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه وهذا على التقدير، ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم فكأنهم الجند الناصر والرازق.
فلما لم يتعظوا أضرب عنهم فقال: {بل لّجُّواْ} تمادوا {فِى عُتُوٍّ} استكبار عن الحق {ونُفُورٍ} وشراد عنه لثقله عليهم فلم يتبعوه.
ثم ضرب مثلا للكافرين والمؤمنين فقال: {أفمن يمْشِى مُكِبّا على وجْهِهِ} أي ساقطا على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفا وخبر من {أهدى} أرشد.
فأكب مطاوع كبه يقال: كببته فأكب {أمّن يمْشِى سوِيّا} مستويا منتصبا سالما من العثور والخرور {على صراط مُّسْتقِيمٍ} على طريق مستوٍ.
وخبر {منْ} محذوف لدلالة {أهدى} عليه، وعن الكلي: عني بالمكب أو جهل، وبالسوي النبي عليه السلام {قُلْ هُو الذي أنشأكُمْ} خلقكم ابتداء {وجعل لكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} خصها لأنها آلات العلم {قلِيلا مّا تشْكُرُون} هذه النعم لأنكم تشركون بالله ولا تخلصون له العبادة، والمعنى تشكرون شكرا قليلا و(ما) زائدة.
وقيل: القلة عبارة عن العدم {قُلْ هُو الذي ذرأكُمْ} خلقكم {فِى الأرض وإِليْهِ تُحْشرُون} للحساب والجزاء.
{ويقولون} أي الكافرون للمؤمنين استهزاء {متى هذا الوعد} الذي تعدوننا به يعني العذاب {إِن كُنتُمْ صادقين} في كونه فأعلمونا زمانه {قُلْ إِنّما العلم} أي علم وقت العذاب {عِند الله وإِنّما أناْ نذِيرٌ} مخوّف {مُّبِينٌ} أبين لكم الشرائع {فلمّا رأوْهُ} أي الوعد يعني العذاب الموعود {زُلْفة} قريبا منهم وانتصابها على الحال {سِيئتْ وُجُوهُ الذين كفرُواْ} أي ساءت رؤية الوعد وجوههم بأن علتها الكآبة والمساءة وغشيتها القترة والسواد {وقِيل هذا الذى} القائلون الزبانية {كُنتُم بِهِ تدّعُون} تفتعلون من الدعاء أي تسألون تعجيله وتقولون ائتنا بما تعدنا، أو هو من الدعوى أي كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون وقرأ يعقوب {تدْعُون}.
{قُلْ أرءيْتُمْ إِنْ أهْلكنِى الله} أي أماتني الله كقوله: {إِن امرؤ هلك} [النساء: 176] {ومن مّعِى} من أصحابي {أوْ رحِمنا} أو أخر في آجالنا {فمن يُجِيرُ} ينجي {الكافرين مِنْ عذابٍ ألِيمٍ} مؤلم.
كان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك فأمر بأن يقول لهم: نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين، إما أن نهلك كما تتمنون فتقلب إلى الجنة، أو نرحم بالنصرة عليكم متربصون لإحدى الحسنيين، إما أن نهلك كما تتمنون فتقلب إلى الجنة، أو نرحم بالنصرة عليكم كما نرجو، فأنتم ما تصنعون مِنْ مجيركم وأنتم كافرون من عذاب النار لابد لكم منه {قُلْ هُو الرحمن} أي الذي أدعوكم إليه الرحمن {ءامنّا بِهِ} صدقنا به ولم نكفر به كما كفرتم {وعليْهِ توكّلْنا} فوضنا إليه أمورنا {فستعْلمُون} إذا نزل بكم العذاب وبالياء: علي {منْ هُو في ضلال مُّبِينٍ} نحن أم أنتم {قُلْ أرءيْتُمْ إِنْ أصْبح ماؤُكُمْ غوْرا} غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الدلاء، وهو وصف بالمصدر كعدل بمعنى عادل {فمن يأْتِيكُمْ بِماءٍ مّعِينٍ} جارٍ يصل إليه من أراده.
وتليت عند ملحد فقال: يأتي بالمعول والمعن فذهب ماء عينه في تلك الليلة وعمي.
وقيل: إنه محمد بن زكريا المتطبب زادنا الله بصيرة. اهـ.